فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (45)}.
القصة الرابعة قصة موسى عليه السلام:
اختلفوا في {الايات} فقال ابن عباس رضي الله عنهما هي الآيات التسع وهي العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم وانفلاق البحر والسنون والنقص من الثمرات، وقال الحسن قوله: {بئاياتنا} أي بديننا واحتج بأن المراد بالآيات لو كانت هي المعجزات والسلطات المبين أيضًا هو المعجز فحينئذ يلزم عطف الشيء على نفسه والأقرب هو الأول لأن لفظ الآيات إذا ذكر في الرسل فالمراد منها المعجزات، وأما الذي احتجوا به فالجواب: عنه من وجوه: أحدها: أن المراد بالسلطان المبين يجوز أن يكون أشرف معجزاته وهو العصا لأنه قد تعلقت بها معجزات شتى من انقلابها حية وتلقفها ما أفكته السحرة وانفلاق البحر وانفجار العيون من الحجر بضربها بها وكونها حارسًا وشمعة وشجرة مثمرة ودلوًا ورشاء، فلأجل انفراد العصا بهذه الفضائل أفردت بالذكر كقوله جبريل وميكال وثانيها: يجوز أن يكون المراد بالآيات نفس تلك المعجزات وبالسلطان المبين كيفية دلالتها على الصدق، وذلك لأنها وإن شاركت سائر آيات الأنبياء في كونها آيات فقد فارقتها في قوة دلالتها على قوة موسى عليه السلام وثالثها: أن يكون المراد بالسلطان المبين استيلاء موسى عليه السلام عليهم في الاستدلال على وجود الصانع وإثبات النبوة وأنه ما كان يقيم لهم قدرًا ولا وزنًا.
واعلم أن الآية تدل على أن معجزات موسى عليه السلام كانت معجزات هرون عليه السلام أيضًا، وأن النبوة كما أنها مشتركة بينهما فكذلك المعجزات، ثم إنه سبحانه حكى عن فرعون وقومه صفتهم ثم ذكر شبهتهم أما صفتهم فأمران أحدهما: الاستكبار والأنفة والثاني: أنهم كانوا قومًا عالين أي رفيعي الحال في أمور الدنيا، ويحتمل الاقتدار بالكثرة والقوة وأما شبهتهم فهي قولهم: {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عابدون} قال صاحب الكشاف لم يقل مثلينا كما قال: {إِنَّكُمْ إِذًا مّثْلُهُمْ} [النساء: 14] ولم يقل أمثالهم وقال: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران: 110] ولم يقل أخيار أمة كل ذلك لأن الإيجاز أحب إلى العرب من الإكثار والشبهة مبنية على أمرين: أحدهما: كونهما من البشر وقد تقدم الجواب عنه والثاني: أن قوم موسى وهرون كانوا كالخدم والعبيد لهم قال أبو عبيدة العرب تسمى كل من دان لملك عابدًا له ويحتمل أن يقال إنه كان يدعي الإلهية فادعى أن الناس عباده وأن طاعتهم له عبادة على الحقيقة ثم بين سبحانه أنه لما خطرت هذه الشبهة ببالهم صرحوا بالتكذيب وهو المراد من قوله: {فَكَذَّبُوهُمَا}.
ولما كان ذلك التكذيب كالعلة لكونهم من المهلكين لا جرم رتبه عليه بفاء التعقيب فقال وكانوا ممن حكم الله عليهم بالغرق فإن حصول الغرق لم يكن حاصلًا عقيب التكذيب، إنما الحاصل عقيب التكذيب حكم الله تعالى بكونهم كذلك في الوقت اللائق به. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله: {قَوْمًا عَالِينَ}.
فيه أربعة أوجه:
أحدها: متكبرين، قاله المفضل.
الثاني: مشركين، قاله يحيى بن سلام.
الثالث: قاهرين، قاله ابن عيسى.
الرابع: ظالمين، قاله الضحاك.
قوله: {وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: مطيعون، قاله ابن عيسى.
الثاني: خاضعون، قاله ابن شجرة.
الثالث: مستبعدون، قاله يحيى بن سلام.
الرابع: ما قاله الحسن كان بنو إسرائيل يعبدون فرعون وكان فرعون يعبد الأصنام. اهـ.

.قال ابن عطية:

{ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (45)}.
{ثم} هنا على بابها لترتيب الأمور واقتضاء المهلة، و الآيات التي جاء بها {موسى} و{هارون} هي اليد والعصا اللتان اقترن بهما التحدي وهما السلطان المبين، ويدخل في عموم اللفظ سائر آياتهما كالبحر والمرسلات الست، وأما غير ذلك مما جرى بعد الخروج من البحر فليست تلك لفرعون بل هي خاصة ببني إسرائيل. و الملأ هنا الجمع يعم الأشراف وغيرهم، و{استكبروا}، معناه عن الإيمان بموسى وأخيه لأَنهم أنفوا من ذلك، و{عالين}، معناه قاصدين للعلو بالظلم والكبرياء، وقوله: {عابدون} معناه خامدون متذللون، ومن هنا قيل لعرب الحيرة العباد لأَنهم دخلوا من بين العرب في طاعة كسرى، هذا أَحد القولين في تسميتهم والطريق المعبد المذلل وعلو هؤلاء هو الذي ذكر الله تعالى في قوله: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادًا} [القصص: 83] و{من المهلكين} يريد بالغرق. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا موسى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} تقدم.
ومعنى {عَالِينَ} متكبرين قاهرين لغيرهم بالظلم؛ كما قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأرض} [القصص: 4].
{فقالوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} الآية، تقدم أيضًا.
ومعنى {مِنَ المهلكين} أي بالغرق في البحر. اهـ.

.قال أبو السعود:

{ثُمَّ أَرْسَلْنَا موسى وَأَخَاهُ هارون بآياتنا}.
هي الآياتُ التِّسعُ من اليدِ والعَصَا والجرادِ والقُمَّلِ والضَّفادعِ والدَّمِ ونقصِ الثَّمراتِ والطَّاعون. ولا مساغَ لعدِّ فلقِ البحر منها إذِ المرادُ هي الآياتُ التي كذَّبوها واستكبرُوا عنها {وسلطان مُّبِينٍ} أي حجَّةٍ واضحةٍ مُلزمةٍ للخَصمِ، وهي إمَّا العَصَا، وإفرادُها بالذِّكرِ مع اندراجِها في الآياتِ لما أنَّها أمُّ آياتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وأُولاها وقد تعلقتْ بها معجزاتٌ شَتَّى من انقلابِها ثُعبانًا وتلقُّفها لما أفكته السَّحرةُ حسبما فصل في تفسير سُورةِ طه. وأمَّا التَّعرُّضُ لانفلاقِ البحرِ وانفجارِ العُيون من الحجرِ بضربها وحراستِها وصيرورتِها شمعةً وشجرةً خضراءَ مثمرةً ودَلْوًا ورِشَاءَ وغيرَ ذلك ممَّا ظهرَ منها من قبلُ ومن بعدُ في غير مشهدِ فرعونَ وقومِه فغيرُ ملائمٍ لمقتضى المقامِ، وأمَّا نفسُ الآياتِ كقولِه:
إلى الملكِ القَرمِ وابنِ الهُمامِ

.إلخ. عبَّر عنها بذلك على طريقةِ العطفِ تنبيهًا على جمعها لعُنوانينِ جليلينِ وتنزيلًا لتغايرِهما منزلةَ التَّغايرِ الذَّاتيِّ.
{إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} أي أشرافِ قومِه خُصُّوا بالذِّكرِ لأنَّ إرسالَ بني إسرائيلَ منوطٌ بآرائِهم لا بآراءِ أعقابهم {فاستكبروا} عن الانقيادِ وتمرَّدوا {وَكَانُواْ قَوْمًا عالين} متكبِّرين مُتمرِّدين {فَقَالُواْ} عطفٌ على استكبرُوا، وما بينهما اعتراضٌ مقرِّرٌ للاستكبارِ أي كانُوا قومًا عادتُهم الاستكبارُ والتَّمرد أي قالُوا فيما بينهم بطريقِ المُناصحةِ: {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} ثَنَّى البشرَ لأنَّه يُطلقُ على الجمعِ كما في قوله تعالى: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البشر أَحَدًا} ولم يثنِّ المِثْلَ نظرًا إلى كونِه في حكمِ المصدرِ. وهذه القصصُ كما تَرى تدلُّ على أنَّ مدار شُبَه المُنكرين للنُّبوةِ قياسُ حالِ الأنبياءِ على أحوالِهم بناءً على جهلِهم بتفاصيلِ شؤونِ الحقيقةِ البشريَّةِ وتباينِ طبقاتِ أفرادِها في مراقي الكمالِ ومَهَاوي النُّقصانِ بحيثُ يكونُ بعضُها في أعلى عِلِّييِّنَ وهم المختصُّون بالنُّفوس الزكيَّةِ المؤيِّدون يالقُوَّةِ القُدسيَّةِ المتعلِّقون لصفاءِ جواهرِهم بكِلا العالمينِ الرُّحانيِّ والجسمانيِّ يتلقَّون من جانبٍ ويُلقون من جانبٍ ولا يعوقُهم التَّعلُّقُ بمصالحِ الخلقِ عن التَّبتلِ إلى جنابِ الحقِّ وبعضُها في أسفلِ سافلينَ كأولئك الجَهَلة الذين هم كالأنعامِ بلْ هُم أضلُّ سبيلًا {وَقَوْمُهُمَا} يعنون بني إسرائيلَ {لَنَا عابدون} أي خادمون مُنقادون لنا كالعبيدِ وكأنَّهم قصدُوا بذلك التَّعريضَ بشأنِهما عليهما الصَّلاةُ والسَّلامُ وحطَّ رتبتهما العليَّةِ عن منصب الرِّسالةِ من وجهٍ آخرَ غيرِ البشريَّةِ واللامُ في لنا متعلِّقةٌ بعابدون وقُدِّمت عليه رعايةً للفواصلِ. والجملةُ حالٌ من فاعلِ نُؤمنُ مؤكِّدةٌ لإنكارِ الإيمانِ لهما بناءً على زعمهم الفاسدِ المُؤَسَّسِ على قياسِ الرِّياسةِ الدِّينيةِ على الرِّياساتِ الدُّنيويَّةِ الدَّائرةِ على التَّقدُّمِ في نيل الحظوظِ الدَّنيةِ من المالِ والجاهِ كدأبِ قُريشٍ حيثُ قالُوا: {لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} وقالُوا: {لَوْلاَ نُزّلَ هذا القرءان على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ} وجهلِهم بأنَّ مناطَ الاصطفاءِ للرِّسالةِ هو السَّبقُ في حيازةِ ما ذُكر من النُّعوت العليةِ وإحرازِ المَلَكاتِ السَّنية جِبلَّةً واكتسابًا.
{فَكَذَّبُوهُمَا} أي فتموا على تكذيبهما وأصرُّوا واستكبروا استكبارًا {فَكَانُواْ مِنَ المهلكين} بالغرقِ في بحرِ قُلْزم. اهـ.

.قال الألوسي:

{ثُمَّ أَرْسَلْنَا موسى وَأَخَاهُ هارون بآياتنا}.
أي بالآيات المعهودة وهي الآيات التسع وقد تقدم الكلام في تفصيلها وما قيل فيه، و{هارون} بدل أو عطف بيان، وتعرض لإخوته لموسى عليهما السلام للإشارة إلى تبعيته له في الإرسال {وسلطان مُّبِينٍ} أي حجة واضحة أو مظهرة للحق، والمراد بها عند جمع العصا، وأفرادها بالذكر مع اندراجها في الآيات لتفردها بالمزايا حتى صارت كأنها شيء آخر، وجوز أن يراد بها الآيات والتعاطف من تعاطف المتحدين في الماصدق لتغاير مدلوليهما كعطف الصفة على الصفة مع اتحاد الذات وقد مر نظيره آنفًا أو هو من باب قولك: مررت بالرجل والنسمة المباركة حيث جرد من نفس الآيات سلطان مبين وعطف عليه مبالغة، والاتيان به مفردًا لأنه مصدر في الأصل أو للاتحاد في المراد، وعن الحسن أن المراد بالآيات التكاليف الدينية وبالسلطان المبين المعجز، وقال أبو حيان: يجوز أن يراد بالآيات نفس المعجزات وبالسلطان المبين كيفية دلالتها لأنها وإن شاركت آيات الأنبياء عليهم السلام في أصل الدلالة على الصدق فقد فارقتها في قوة دلالتها على ذلك وهو كما ترى، ويمكن أن يقال: المراد بالسلطان تسلط موسى عليه السلام في المحاورة والاستدلال على الصانع عز وجل وقوة الجاش والإقدام.
{إلى فِرْعَوْنَ} أي إشراف قومه خصوا بالذكر لأن إرسال بني إسرائيل وهو مما أرسلا عليهما السلام لأجله منوط بآرائهم، ويمكن أن يراد بالملأ قومه فقد جاء استعماله بمعنى الجماعة مطلقًا {عَادٌ فاستكبروا} عن الانقياد لما أمروا به ودعوا إليه من الايمان وإرسال بني إسرائيل وترك تعذيبهم، وليست الدعوة مختصة بإرسال بني إسرائيل وإطلاقهم من الأسر ففي سورة [النازعات: 71 91] {اذهب إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى فَقُلْ هَل لَّكَ إلى أَن تزكى وَأَهْدِيَكَ إلى رَبّكَ فتخشى} وأيضًا فيما نحن فهي ما يدل على عدم الاختصاص.
{وَكَانُواْ قَوْمًا عالين} متكبرين أو متطاولين بالبغي والظلم؛ والمراد كانوا قومًا عادتهم العلو.
{فَقَالُواْ} عطف على {استكبروا} [المؤمنون: 46] وما بينهما اعتراض مقرر للاستكبار، والمراد فقالوا فيما بينهم بطريق المناصحة {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} ثنى البشر لأنه يطلق على الواحد كقوله تعالى: {بَشَرًا سَوِيًّا} [مريم: 17] ويطلق على الجمع كما في قوله تعالى: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البشر أَحَدًا} [مريم: 26] ولم يثن مثل نظرًا إلى كونه في حكم المصدر، ولو أفرد البشر لصح لأنه اسم جنس يطلق على الواحد وغيره، وكذا لو ثنى المثل فإنه جاء مثنى في قوله تعالى: {يَرَوْنَهُمْ مّثْلَيْهِمْ} [آل عمران: 13] ومجموعًا في قوله سبحانه: {ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أمثالكم} [محمد: 38] نظرًا إلى أنه في تأويل الوصف إلا أن المرجح لتثنية الأول وإفراد الثاني الإشارة بالأول إلى قلتهما وانفراهدما عن قومهما مع كثرة الملأ واجتماعهم وبالثاني إلى شدة تماثلهم حتى كأنهم مع البشرين شيء واحد وهو أدل على ما عنوه.
وهذه القصص كما ترى تدل على أن مدار شبه المنكرين للنبوة قياس حال الأنبياء عليهم السلام على أحوالهم بناء على جهلهم بتفاصيل شؤن الحقيقة البشرية وتباين طبقات أفرادها في مراقي الكمال ومهاوي النقصان بحيث يكون بعضها في أعلى عليين وهم المختصون بالنفوس الزكية المأيدون بالقوة القدسية المتعلقون لصفاء جواهرهم بكلا العالمين اللطيف والكثيف فيتلقون من جانب ويلقون إلى جانب ولا يعوقهم التعلق بمصالح الخلق عن التبتل إلى حضرة الحق وبعضها في أسفل سافلين وهم كأولئك الجهلة الذين هم كالأنعام بل هم أضل سبيلًا.
ومن العجب أنهم لم يرضوا للنبوة ببشر، وقد رضى أكثرهم للإلهية بحجر فقاتلهم الله تعالى ما أجهلهم، والهمزة للإنكار أي لا نؤمن لبشرين مثلنا {وَقَوْمُهُمَا} يعنون سائر بني إسرائيل {لَنَا عابدون} خادمون منقادون لنا كالعبيد ففي {عابدون} استعارة تبعية نظرًا إلى متعارف اللغة.
ونقل الخفاجي عن الراغب أنه صرح بأن العابد بمعنى الخادم حقيقة، وقال أبو عبيدة: العرب تسمى كل من دان للملك عابدًا، وجوز الزمخشري الحمل على حقيقة العبادة فإن فرعون كان يدعي الإلهية فادعى للناس العبادة على الحقيقة.
واعترض بأن الظاهر أن هذا القول من الملأ وهو يأبى ذلك، وكونهم قالواه على لسان فرعون كما يقول خواص ملك: نحن ذوو رعية كثيرة وملك طويل عريض ومرادهم إن ملكنا ذو رعية إلخ خلاف الظاهر، وقيل عليه أيضًا على تقدير أن يكون القائل فرعون: لا يلزم من ادعائه الإلهية عبادة بني إسرائيل له أو كونه يعتقد أو يدعي عبادتهم على الحقيقة له؛ وأنت تعلم أنه متى سلم أن القائل فرعون وأنه يدعي الإلهية لا يقدح في إرادته حقيقة العبادة عدم اعتقاده ذلك لأنه على ما تدل عليه بعض الآثار كثيرًا ما يظهر خلاف ما يبطن حتى أنها تدخل على أن دعواه الإلهية من ذلك، نعم الأولى تفسير {عابدون} بخادمون وهو مما يصح إسناده إلى فرعون وملئه، وكأنهم قصدوا بذلك التعريض بشأن الرسولين عليهما السلام وحط رتبتهما العلية عن منصب الرسالة من وجه آخر غير البشرية، واللام في {لَنَا} متعلقة بعابدون قدمت عليه رعاية للفواصل، وقيل للحصر أي لنا عابدون لا لهما، والجملة حال من فاعل {نُؤْمِنُ} مؤكدة لإنكار الايمان لهما بناء على زعمهم الفاسد المؤسس على قياس الرياسة الدينية على الرياسة الدنيوية الدائرة على التقدم في نيل الحظوظ الدنيوية من المال والجاه كدأب قريش حيث قالوا: {لَوْلاَ نُزّلَ هذا القرءان على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ} [الزخرف: 31] وجهلهم بأن مناط الاصطفاء للرسالة هو السبق في حيازة النعوت العلية والملكات السنية التي يتفضل الله تعالى بها على من يشاء من خلقه.
{فَكَذَّبُوهُمَا} فاستمروا على تكذيبهما وأصروا واستكبروا استكبارًا {فَكَانُواْ مِنَ المهلكين} بالغرق في بحر القلزم، والتعقيب باعتبار آخر زمان التكذيب الذي استمروا عليه، وقيل: تعقيب التكذيب بذلك بناء على أن المراد محكوم عليهم بالإهلاك، وقيل: الفاء لمحض السببية أي فكانوا بسبب تكذيب الرسولين من المهلكين. اهـ.